الاثنين، 30 يناير 2023

ديون مصر الكريهه

 

يقول أستاذ فلسفة التشريع وعلم القانون الروسي الكسندر ناحوم ساك الذي أسس نظرية الدين الشائن والتي اصبحت مصطلحا في القانون الدولي «إذا حصل نظام استبدادي على قرض ولم يكن الهدف منه تلبية حاجات ومصالح الدولة وإنما تقوية هذا النظام الاستبدادي وقمع السكان الذين يحاربون هذا الاستبداد فإن هذا الدين يعتبر كريها و هو غير ملزم للدولة، إنما هو محسوب على النظام المستبد باعتبارها ديونا شخصية وبالتالي فهي تسقط بسقوطه».

نظرية «ناحوم» تنطبق على مصر، ويمكن لفقهاء القانون تكييفها مع الحالة المصرية، والتي تشترط اسقاط او تغيير نظام الحكم الفاسد، اذ اعترف «السيسي» في احد تصريحاته التلفزيونية ببنائه قصور رئاسية مدعيا انها لمصر وليست له، وهو ادعاء غبي حيث لن تستفاد الدولة من بناء 50 قصر رئاسي ولن يسكنها فقراء مصر، كما انها ليست مدارس ولا جامعات او مستشفيات ليستفاد منها الشعب المصري، بل هي قصور فاخرة يستمتع بها وافراد اسرته، اضافة إلى صفقات التسليح العسكري وشراء طائرة رئاسية فاخرة من طراز «بوينغ بي 747-8» بلغت قيمتها 418 مليون دولار، وقبلها اشترى 4 طائرات فاخرة عام 2016 من طراز «فالكون 7 إكس» الفرنسية، في صفقة بلغت قيمتها 354 مليون دولار، كل هذا واكثر يمكن ان يثبت ان المتسبب باغراق مصر في الديون هو فساد النظام الحاكم، وبذلك ترفع الديون عن كاهل الدولة وتلقى على النظام ليصبح دينا شخصياً على الحاكم بعد عزله من سدة الحكم.

واستدلالاً على صحة هذا الاجراء اقتبس ما ذكرته باتريشيا آدمز، المدير التنفيذي في التحقيق الدولي ومؤلفة كتاب الديون البغيضة: الإقراض الحر والفساد والتراث البيئي للعالم الثالث، التي قالت «أن القروض التي أخذتها العراق خلال حكم صدام حسين هي ديون بغيضة؛ لأن الأموال التي تم اقتراضها استخدمت في شراء الأسلحة والأدوات المستخدمة في القمع وفي تشييد القصور»، وهناك وجه شبه كبير بين الانظمة المستبدة التي تستدين لتحقيق رفاهية الحاكم وحاشيته والصرف على صفقات التسليح العسكري، مثل البرازيل، الارجنتين، بوليفيا، السلفادور، هايتي، الفلبين، إندونيسيا، العراق، سوريا، الجزائر، نيجيريا، الصومال، السودان، ايران، باكستان وغيرهم.

الأحد، 29 يناير 2023

عرس الزين

 

في ستينيات القرن الماضي اصدر عبقري الرواية العربية الطيب صالح رحمة الله روايته الشهيرة «عرس الزين» التي تقوم على عدة أفكار مترابطة مع بعضها الآخر، مقدما نموذجا مبسطا لدور الخير المتمثل في شخصية «الحنين» الرجل العابد الزاهد والغامض الذي كان يعتزل العالم المادي ويتجه نحو الصحراء دون ان يحمل معه لا زاد ولا ماء يكفي رحلته التي تستمر 6 اشهر، حيث يختلي مع الله، ويعود إلى قريته في أحلك الظروف وأصعبها ليبدد الشر بهيبة حضوره والتي يمثلها «سيف»، وما بين الحق والباطل يعيش «الزين» بطل الرواية التي يعاني مشكلة عقلية «ربيته قاصرة» مما جعله اضحوكة بين ابناء قريته بسبب تصرفاته، أما رابع الشخصيات في الرواية فهي ابنة عمه «نعمة» اجمل الفتيات التي كان يسعى للزواج منها بدعم ومباركة «الحنين» الذي كان يرى فيه ما لا يراه في سواه وهو انه «مبروك» و يحظى باهتمام الأمهات في القرية فهو كلما ذكر اسم فتاة من فتيات القرية على لسانه جاء لها النصيب وضمنت الزواج.

الرواية نالت اعجاب المخرج الكويتي الشهير خالد الصديق رحمه الله الذي حولها إلى فيلم سينمائي في سبعينيات القرن المنقضي وتولى إنتاجه وإخراجه وشارك فيه بعدة مهرجانات دولية وحصل على عدة جوائز، إلا أن الفيلم لم يحظى بالانتشار المتوقع له بسبب تواضع الإمكانيات التقنية المستخدمة في التصوير مما أدى إلى خروجه من السباق السينمائي مبكراً.
اليوم نعيش في عالم يخلو من وجود شخصيات صالحة مثل «الحنين» بينه وبين الله عمار، وأناس مباركين مثل «الزين» الذين يطلق عليهم مجازا «من اهل الله» وفتيات بجمال طبيعي مثل «نعمة» لم ينل مشرط جراح التجميل من جسدها ولم تتأثر بقبح دعاية العلامات التجارية، بل نحن نعيش في عالم مادي مخيف يحكمه «سيف» الذي تغول بشره و طوع القانون لخدمته، فمن يختلف معه يصبح عدوا ومجرما له ولمجتمعه، ولا صوت يعلوا على صوته ولا رأي بعد رأيه.!

الخميس، 26 يناير 2023

ديمقراطية عرجاء

 

القارئ السياسي يستطيع ان يقيم التجربة الديمقراطية في الوطن العربي من المحيط الى الخليج والمتمثلة في البرلمانات النيابية والبلدية، فمع اختلاف الحالة من دولة إلى اخرى بالشكل إلا انها تبقى متشابهة من حيث المضمون، اذ لا توجد ديمقراطية حقيقية في اي دولة عربية على اختلاف الانظمة الحاكمة، ملكية، إمارة، او جمهورية، فما يريده الحاكم سيتم اقراره وما يخالف توجهه لن يتم مهما حدث، وبين الموافقة والرفض هناك فاصل بسيط لإقرار قوانين ظاهرها تمكين إرادة الأمة وباطنها تنفيذ سيناريو ذو أهداف سياسية واعلامية محلية ودولية برغبة الحاكم لا البرلمان.

ان المطلع على تاريخ التجربة النيابية في الدول العربية يستخلص فكرة عامة وشاملة، وهي ان إرادة الحاكم اسمى واعظم من ارادة الأمة، و لا رأي يعلوا على رأي الحاكم، ومن يخالفه من النواب سيكون مصيره في افضل الاحوال الفصل او العزل، وفي احيان اخرى قد يسجن او يهجر و يحظر عليه ممارسة العمل السياسي، اما في اكثر الحالات سوءا قد يتم اغتياله، وهناك احداث وشواهد كثيرة قد آتي على ذكرها في مقال مفصل لاحقا.

وهناك قصة جميلة من تاريخ الكويت السياسي، وهي عندما اراد امير الكويت الراحل عبدالله السالم طيب الله ثراه إقرار قانون منع الاتجار بالخمور، وهو القانون الذي كان من الممكن ان يسبب له حرجا سياسياً مع الحكومة البريطانية، لذلك ارتأى وضع خطة سياسية محكمة يضرب بها عصفورين بحجر واحد، إذ تم الاتفاق على سيناريو أعد سلفا لرفع الحرج عن الحكومة الكويتية امام مثيلتها في انجلترا باتخاذها قرار يؤثر على مصالحها ويضر بنشاط احدى شركاتها «كري ماكنزي» وبذات الوقت يقنع الرأي العام الدولي ان البرلمان الكويتي بدأ يمارس دوره وصلاحياته وفق الاطر الدستورية، حيث اقر مجلس الامة مشروع بقانون يحظر الاتجار بالخمور وتم رفعه إلى الشيخ عبدالله السالم الذي رده الى المجلس ورفض اعتماده بموجب المادة 66 من الدستور الكويتي التي تنص على «يكون طلب إعادة النظر في مشروع القانون بمرسوم مسبب، فإذا أقره مجلس الأمة ثانية بموافقة ثلثي الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس صدق عليه الأمير وأصدره خلال ثلاثين يوماً من إبلاغه . فإن لم تتحقق هذه الأغلبية أمتنع النظر في دور الانعقاد نفسه .فإذا عاد مجلس الأمة في دور انعقاد آخر إلى إقرار ذلك المشروع بأغلبية الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس صدق عليه الأمير وأصدره خلال ثلاثين يوماً من إبلاغه إليه»، وهي المرة الوحيدة التي خالف فيها المجلس الإرادة الاميرية واقر القانون 46/1964، وتم نشر القانون في الجريدة الرسمية ممهورا بامضاء نائب الامير الشيخ صباح السالم رحمه الله بسبب تواجد الامير الشيخ عبدالله السالم خارج البلاد حينها.