الخميس، 30 يونيو 2022

إليزابيث والبراك والعجارمة

 

اقتحم لص مخمور يدعى مايكل فاجان «38 عام» مخدع الملكة إليزابيث الثانية في الثامن من يوليو 1982، حيث فوجئت بوجوده جالسا على طرف سريرها ويطلب منها سيجارة، حاولت الهروب إلا انها لم تفلح، دخلت إحدى وصيفاتها حيث كانت تنظف الممر وتداركت الامر وجلبت السيجارة للص ثم خرجت واستدعت حرس القصر الذين جاؤوا مسرعين لنجدة الملكة.

وفي التحقيقات اعترف «مايكل» أنها المرة الثانية التي يقتحم القصر وقدم للمحاكمة بتهمة سرقة النبيذ الملكي بينما لم يحاكم عن تهمة دخوله غرفة نوم الملكة، وقضت المحكمة حينها بإسقاط الاتهام عنه بعد أن ثبت انه مختل عقلياً.

 جريمة اقتحام مسكن الحاكم تعتبر جناية خطيرة تعاقب عليها جميع قوانين دول العالم، وبعض تلك القوانين تصل عقوبتها إلى حد الإعدام، وهذا لا يعني ان القانون البريطاني يخلوا من العقوبات الرادعة بل ان الملكة اليزابيث الثانية ذكية جدا ومتسامحة إلى حد كبير، فهي وازنت الامور وقاستها بطريقة عقلانية مفضلة ألا تستغل مركزها في معاقبة مواطن بسيط قادرة هي على العفو عنه طالما انه لم يمسسها بضرر والتاريخ دون الحادثة باعتبارها سابقة تاريخية لتسامح الحاكم مع المحكوم

ومن منطلق مقارنة الحدث باحداث أخرى قريبة مع الفكرة العامة اختصرها بحادثين متشابهين في بلدين عربيين، الحادثة الاولى في الكويت وهي محاكمة وسجن النائب السابق مسلم البراك عن تهمة العيب في الذات الاميرية بسبب خطابه الشهير «كفى عبثا»، اما الثانية في الاردن اذ جرى اعتقال النائب السابق اسامة العجارمة وقدم لمحكمة امن الدولة بتهم تهديد حياة الملك في خطاب علني وتصنيع قنابل «مولوتوف» حسب ادعاء الامن الاردني وتعاطي مواد مخدره وصدر حكم بسجنه 12 عام، وما يجمع بين القضيتين هو ان دوافع الاتهامات سياسية بحته.! 

قد لا اتفق مع الية النهج المعارض الذي انتهجه مسلم البراك و أسامة العجارمة ولكن هذا لا يعني اقصائهما عن المشهد السياسي بسبب رأي، اذ لا يجوز سجن انسان بسبب وجهة نظر حتى وان كانت جارحة، فهنا في الدول الغربية ينتقد الملوك والحكام والرؤساء نقدا لاذعا وفي كثير من الاحيان يجرحون ومع ذلك لا يعاقب احد بسبب رأيه لإن الانسان من حقه ان يعبر عن كل ما يدور في صدره طالما انه لم يتعدى على الطرف الاخر جسديا.! 

خلاصة الكلام هي ان على جميع دول العالم الثالث اعادة النظر في القوانين المكممة للافواه والمقيدة للحريات،  باعطاء الشعوب  حق «الكلام» للتعبير عن ارائهم دون خوفا من ان يزج في غياهب السجون المظلمة او يهجر قسرا.!

الاثنين، 20 يونيو 2022

إضراب النواب

 

لا تزال الدول العربية تعيش تجربة نيابية غير ناضجة رغم قدم بعض تلك التجارب في دول مثل مصر، لبنان، العراق والكويت، واعتقد جازما أنها تجارب فاشلة وباتت بحاجة إلى ثورة «راديكالية» والاستفادة من النماذج الغربية الناجحة، واقول ذلك بناء على الاحداث السياسية الحاصلة في الكويت واليمن من اعتصامات للنواب وهي ظاهرة صحية سبق وان عاشتها برلمانات عربية ارادوا من خلالها ايصال جملة من الرسائل الشعبية إلى من يهمه الامر للتدخل في القضية محل النزاع لحلها وفق الاطر الدستورية والقنوات القانونية.

البداية مع البرلمان المصري الذي شهد اقصر اعتصام في تاريخ العمل النيابي والذي استمر لمدة 30 دقيقة اذ اعتصم 100 نائب في العام 2001 اعتراضا على تمرير رئيس البرلمان آنذاك احمد فتحي سرور بسبب رفعه الحصانة عن النائب في الحزب الوطني فوزي السيد لمحاكمته جنائيا في قضية تزوير محررات رسمية، اما البرلمان العراقي فقد شهد في العام 2016 اعتصام 174 نائب طالبوا بإقالة رؤساء السلطات الثلاثة «رئيس الجمهورية، رئيس الوزراء، رئيس البرلمان» وذلك احتجاجا على اختيار وزراء متهمين بقضايا فساد بالتواطئ ما بين رؤساء السلطات، كما شهد البرلمان الجزائري هو الاخر اعتصاما مجلجلا في العام 2018 اذ اعتصم 200 نائب واغلقوا بوابة البرلمان بأقفال حديدية للضغط على رئيسه السعيد بوحجة لتقديم استقالته بسبب سوء ادارته للمجلس والتلاعب باموال البرلمان حسب ما جاء في بيانهم، ولإن الدستور الجزائري لا ينص على آلية لسحب الثقة من رئيس المجلس، وتغييره يكون  بتقديمه استقالته طواعية او في حالة المرض الذي يمنعه من ممارسة مهامه اضافة إلى الوفاة

وشهد البرلمان التونسي في العام 2021 اعتصام عدد من النواب تزعمته عبير موسي رئيسة الحزب الدستوري الحر اعتراضا على إتفاقية قطرية تونسية سعى إلى تمريرها رئيس البرلمان راشد الغنوشي الذي هو الاخر اعتصم امام البرلمان في ذات السنة احتجاجا على الانقلاب الذي قاده قيس سعيد وأدى الى إقالة الحكومة وحل البرلمان وتعليق العمل بالدستور وعزل 57 قاضيا دون محاكمة، وفي هذه الايام يشهد مجلس النواب اليمني اعتصام 13 نائبا احتجاجاً على قضايا فساد في المجلس وعدم ادراج تقارير الحسابات للسنوات الخمس الماضية لمناقشتها، فيما ردت هيئة رئاسة المجلس وأمانته العامة بتهديد المعتصمين بخفض رواتب المعتصمين مع التلميح إلى احتمالية فض الاعتصام بالقوة الجبرية.! 

اما البرلمان الكويتي فهو ايضاً يشهد اعتصام 22 نائبا في الوقت الراهن، وتتلخص مطالبهم في رحيل الرئيسين، الشيخ صباح الخالد بصفته رئيسا للسلطة التنفيذية ومرزوق الغانم رئيس السلطة التشريعية من خلال حل مجلس الأمة والدعوى لإنتخابات مبكرة وتكليف رئيس وزراء جديد مع مراعاة وقوف الحكومة الجديدة على الحياد في انتخابات رئاسة المجلس القادمة

الخميس، 16 يونيو 2022

الحرية جريمة


 تابعت الندوة التي اقامتها جمعية فناني الكاريكاتير الكويتية والتي حملت عنوان «النقد في الكاريكاتير» بمشاركة الفنانين علي فرزات و فاضل الرئيس وادار الحوار الفنانة سارة النومس، بدأ الحوار بنبذة تعريفية عن مسيرة كلا الفنانين وابرز المحطات في حياتهما العملية ومعاناتهما مع مقص الرقيب، وهذه حقيقة لا يمكن إنكارها، فمن واقع مزاملتي للفنان فاضل الرئيس في جريدة القبس لقرابة 5 سنوات اذكر جيدا كيف ان بعض رسوماته حظر نشرها وبعضها الاخر يلام عليها بعد نشرها

الفنان فاضل الرئيس ومجموعة من رسامي الكاريكاتير العرب تلقوا قبل سنوات دعوى من الحكومة الامريكية وشاركوا بعدة معارض كاريكاتورية وقدموا ورش عمل فنية لاقت قبولا كبيرا من قبل الامريكيين، ولمسوا الفارق الكبير بين الحرية المطلقة في الصحافة الامريكية ومساحة الحرية المقننة في الصحافة العربية والتي تحولت من صحف شبه حرة في الماضي القريب الى صحف علاقات عامة وصحف تخدم مصالح أفراد.

الكويت في ثمانينيات القرن الماضي احتضنت الكثير من اصحاب الاقلام الحرة امثال الشهيد ناجي العلي «حنظلة» الذي طلب منه مغادرة البلاد نتيجة ضغوط مارسها ياسر عرفات، اضافة إلى الشاعر الثائر احمد مطر الذي عرف بزاويته «لافتات» والذي طلب منه هو الاخر مغادرة الكويت بضغط من صدام حسين

ان حرية الكلمة في الدول العربية عموما اصبحت جريمة يعاقب عليها القانون، وتنظر إليها الانظمة الحاكمة بعين الريبه والشك، لذلك شهدنا نزوح اصحاب الآراء الحرة من اوطانهم باتجاه الدول الغربية هرباً من احكام جائرة طالتهم بسبب «كلام» لا يسمن ولا يغني من جوع.! 

الانظمة العربية بصفة عامة تضيق صدورهم من النقد، فهم يولون اهتماما خاصة إلى المديح والثناء، ويفضلون المنافقين على الصادقين، ويقربون الافاكين ويقصون الصالحين، ويقدسون الكذابين ويعادون الناصحين، لذلك نجد ان معظم الدول العربية نخر الفساد في مفاصلها وأصبحت دول ضعيفة يسود فيها الظلم.!