السبت، 9 فبراير 2013

العراق بين ماض عريق وحاضر حزين




أجلس بمحاذاة شط العرب المقابل لجامعة البصرة القديمة

العراق في ذاكرة التاريخ هو حامورابي والمتنبي و صلاح الدين و زرياب و الجواهري و السياب و الوردي، وغيرهم آخرين خطوا أسمائهم بماء الذهب على أرض الرافدين في حضارات سادت ثم بادت بسبب تغيرات الحياة، ولم يبق من تلك الحضارة العريقة إلا روايات يتناقلها المؤرخون ويختلف عليها الرواة في بعض أجزائها من حيث الحبكة الدرامية لكن ذلك التاريخ العظيم أصبح جزء كبير منه في طي النسيان ولم تعد له شواهد تاريخية تميزه باستثناء دور مهمش لإعلام مريض وشعارات بالية وفي أفضل الحالات تماثيل لشخصيات كان لها دور كبير في بناء ماض عريق لعراق لم يعد كما كان.
الأمن مفقود
العراق ذو المحافظات الثمانية عشر يعيش حالياً حالة من عدم الاستقرار الأمني والسياسي والاجتماعي بسبب موجات التغيير التي طرأت على هذه البقعة من الأرض خلال السنوات الثلاثين الماضية والتي ساد فيها حكم الطاغية صدام حسين الذي استلم زمام الأمور في أرض الرافدين وحكم العراقيين بالحديد والنار وأقحمهم في حروب ليس لهم فيها لا ناقة ولا جمل، بل لا يزال الشعب العراقي يدفع فاتورة تلك الكوارث حتى الآن بسبب الدمار الذي حل في أرضهم ودمر الزرع والضرع.
طائفية بغيضة
العراق الذي يعاني الآن من تقسيمات طائفية تم تقطيع أوصاله وتقسيمه إلى ثلاث دويلات صغيرة على شاكلة كونفدراليات وهي الجزء الجنوبي المتمثل في البصرة وباقي المحافظات التابعة لها والذي تسيطر عليه أكثرية شيعية وتنعم بشيء من الاستقرار الأمني، والوسط المتمثل في محافظة بغداد والمحافظات القريبة منها والتي يعيش فيها أغلبية سنية وتفتقر إلى الاستقرار الأمني بالإضافة إلى محافظات الشمال التي يطلق عليها اسم إقليم كوردستان وهي أكثر المحافظات العراقية نشاطاً وحيوية من شتى النواحي نظراً لما تتمتع به من استقرار أمني و طبيعة خلابة جاذبة للسياحة وثروات طبيعية هائلة تبشر بمستقبل واعد في هذا الجزء من الدولة التي انقسم فيها المواطنون إلى قسمين لا ثالث لهما فإما أن يكون المواطن العراقي فاحش الثراء أو مدقع الفقر.
فقراء وأغنياء
ومن خلال جولة سريعة لي في جنوب العراقي وتحديداً محافظة البصرة بمختلف ضواحيها والمدن التابعة لها لمست صعوبة الحياة وانقسام سكان المنطقة إلى طبقتين فقراء وأغنياء الأولى ترزح تحت وطأة الفقر المدقع بدخل شهري لا يتجاوز 250 دولار في أفضل الحالات، بينما الطبقة الغنية يمتد مصروفها اليومي إلى أكثر من 500 دولار يذهب في شراء الطعام والمواد الاستهلاكية والمحروقات.
مجتمع مدمر
البصرة التي يعيش سكانها على بحر من النفط والغاز الطبيعي وتستمد شموخها وقوتها من تاريخها وتفتخر بمنابع المياه الطبيعية فيها ومنها شط العرب الذي يغذي سكانها بمياه قليلة الملوحة وغير صالحة للاستهلاك الآدمي يعاني فيها المواطن العراقي أشد معاناة نظراً لانحصار الموارد الحكومية على فئات معينة من المجتمع الذي طغت عليه روح الطائفية حتى أصبحت السمة الرئيسة وأحد أهم الملامح التي تدل على مذهب سكان المنطقة التي كان الإخاء يجمعهم إلى أن دمرت موجة الطائفية البغيضة الكثير من الذكريات التي لم يبق إلا القليل يتناقله كبار السن في أحاديثهم اليومية عن عراق أحرقته نار الفتنة الطائفية.
هدم التاريخ
الفتنة الطائفية في العراق بلغت ذروتها، وتحديداً في المواقع التاريخية التي باتت تشير بشكل مباشر إلى أن الطائفتين من السنة والشيعة الذين يعمل كل منهم وفق ما تقتضيه المصلحة الخاصة في مذهبه كما يتصورونه، ففي مدينة الزبير العراقية وقعت موقعة الجمل التاريخية والتي نشبت في العام 36 هجري تم بناء جدار ضخم على المنطقة وتحديدها لتكون بمثابة موقعاً تاريخياً مهماً لا يمكن التغاضي عنه أو تجاوزه نظراً لأهمية الحدث، وفي موقع آخر في مدينة الزبير وقريب من موقعة الجمل تم هدم ضريح الصحابي طلحة بن عبيد الله بن عثمان التيمي القرشي وهو واحد من العشرة المبشرين بالجنة والذي يرى طرف أنه أحد أبرز أسباب اندلاع معركة الجمل، متناسين أن هذه الأماكن التاريخية هي شواهد لأحداث دارت في هذه البقعة من الأرض ويجب المحافظة عليها نظراً لما تحمله من إرث عظيم.
تبعية عمياء
ولم يكتف العراقيون بهذا القدر من الطائفية بل تمادوا إلى أكثر من ذلك بكثير بعد أن قاموا بتسمية الأحياء السكنية والمحلات التجارية بأسماء تدل على تبعية كل منهم إلى مذهب معين في صورة مثيرة للجدل توحي للزائر إلى البصرة أن هذه المنطقة تعيش على صفيح ساخن و قد تندلع فيها حرب طائفية يذهب ضحيتها الأبرياء من الطرفين.
العراق بين نارين
العراق الذي ظل لسنوات طويلة يخرج أجيال من المثقفين والمميزين كل في مجاله ويصدر العلماء والأطباء والمهندسين ويفتخر بشعرائه وأدبائه ورموزه التاريخية أصبح اليوم يستهلكهم بل ويقضى عليهم بشكل مثير للغرابة ويدل على وجود جهات معينة لا تريد لهذه الدولة أن تنهض.!

أحمد السلامي