السبت، 23 أبريل 2022

هبة البادل

 


كثر الحديث مؤخرا عن لعبة بادل التي اخذت تنتشر في دول السعودية والكويت وقطر والامارات واصبحت «هبة» لدى الشباب من الجنسين، ويعود اصل اللعبة الى مخترعها المكسيكي انريكي كوركويرا وانتشرت اولا في دول إسبانيا، المكسيك، إيطاليا، أندورا والأرجنتين واقيمت اول بطولة عالم عام 1992 في اسبانيا

«الهبة» في الدول الخليجية والعربية عمرها الافتراضي قصير جدا وتختفي مع مرور الايام وتحل محلها «هبة» اخرى، مثال على ذلك اكاديميات كرة القدم في فترة من الفترات انتشرت في الكويت بشكل غريب واصبح عددها يفوق احتياج السوق، اذ اسس بعض الاكاديميات لاعبين معتزلين ومدربين متقاعدين واخرين ممن يقتنصون الفرص، ناهيك عن «هبة» الدورات الرمضانية التي تضائل عددها وتراجع في هذا العام عن الاعوام الماضية، ولعل اشهر تلك الدورات واقدمها هي دورة الروضان التي كانت تحظى باهتمام اعلامي كبير يفوق في كثير من الاحيان الاهتمام بالدوري المحلي لكرة القدم ودوري الصالات المغيب عن الاعلام أساساً.

الانظمة العربيه الحاكمة بطبيعتها متسلطة على شعوبها، وبحكم انها تضع الكثير من المحاذير على الشؤون السياسية وتحظر على العوام الخوض في الشأن السياسي عليها ان تفكر مليا في تهيئة بيئة رياضية خصبه تستقطب الشعوب نحوها طالما الممنوع اكثر من المسموح.! 

تبدأ بضخ الاموال في اعادة بناء وترميم الاندية المتهالكة وبناء استادات عالمية وصالات مغلقة ومجمعات رياضية وميادين لالعاب القوى والرماية واحواض سباحة اولمبية وتشجع على انشاء اندية خاصة وتتحول الرياضة من هواية إلى صناعة تعود بالنفع والفائدة على الدولة واقتصادها وتشغل الشعوب بما يفيدها ولا يضرها، وتضمن بذلك ألا تنشغل الحكومات في بناء السجون وتوسعتها ولا ترتفع حالات التهجير القسري.!

الأحد، 17 أبريل 2022

شعوب هالكه

 


قبل ايام لفت انتباهي منشور في احد الساحات الحوارية لسكان منطقة مجاوره لسكني وقد تداعى قاطنوها للاحتجاج على البلدية بسبب عملهم الهجمي حسب ادعائهم وذلك لقيامهم بقطع شجرة في الطريق العام يبلغ عمرها 100 عام، وتابعت ردود الفعل والنقد الحاد الذي طال مسؤولي البلدية اذ وجه لهم احد الغاضبين اتهاما بقتل الاشجار والاضرار بالبيئة وتدمير تاريخ المنطقة وتراثها، وهو اتهام استغربته في بداية الامر ودفعني للتفكير والتمعن اكثر في تفاصيله الدقيقة.

المجتمع الغربي سريع التأثر، وفي طبيعته التكوينية مختلف، حيث تجدهم يتعاطفون مع قضايا حقوق الانسان ويعارضون سياسة قطع الاشجار وتدمير الغابات ويقدسون الحيوانات ويهتمون لامرها، كل ذلك واكثر يأتي انسجاما مع طبيعتهم الاخلاقية التي تنحاز بشكل كبير إلى المحافظة على كل ما هو جميل، وهذا لا يعني انه مجتمع مقدس وخالً من الاخطاء والعيوب بل هذه هي الصورة العامة، على عكس بلداننا العربية التي تمارس ابشع الانتهاكات لحقوق الانسان وتضطهده وتصادر كافة حقوقه اذا ما اخطأ حتى وان كان خطأ بسيط او غير مقصود لانه بنظر القانون والمجتمع مجرم ولا توبه له، اما الاهتمام في التخضير فحدث ولا حرج فهم يعتبرونها كماليات لا داع لها، اما الحيوانات فهي موجودة للتسلية والترفية وليست للتربية والاهتمام بها ومراعاتها.

المجتمعات العربية تشهد يوميا على مئات القضايا التي فيها تنتهك كرامة الانسان ويساء فيها للحيوانات وتقطع بها الاشجار وان حصل تحرك فهو محدود جدا ومن يناصره يعتبر تافه، ساذج، مغفل او معتوه، لان الاهتمام ينصب في الدرجة الاولى على ذات الملوك والحكام ومن هم تحت عبائتهم وفي الدرجة الثانية المال والرفاهية والثالثة القضايا الشعبوية التي يدغدغون بها مشاعر الشعوب لالهائهم عن الامور الاساسية واجبة الاهتمام، وقد لامسني تعبير رائع اطلقه د. عبدالله النفيسي في احد لقاءاته بقوله «الشعوب تعشق المعارك الجانبية الصغيرة» وهي حقيقة لا يمكن انكارها.

ان الشعوب التي تنشد الحياة تهتم اولا بتنشئة الانسان وتعليمه وتهتم له وتراعي حقوقه وتدعمه وتقف الى جانبه لبناء انسان قادر على التطوير والإعمار واكمال مشوار من سبقوه، اما في البلدان المتهالكة فهي تعمل على تخدير الشعوب وإلهائها بأمور ثانوية وبعض تلك الدول سمحت بنشر اصناف رخيصة من المخدرات للسيطرة على الشعوب لتتمكن الانظمة من الاستفراد بالحكم وتحقيق غاياتهم.!

الخميس، 7 أبريل 2022

الإنسان الكلب

 


أبدع القدماء المصريين في تصوير شخصية الانسان الكلب وقاموا برسمة على الألواح ونقشه على جدران المعابد ونحته كتمثال، ويتفق المؤرخين على انها شخصية الإله «أنوبيس» رب العالم السفلي وحامي أرواح الموتى، وكان له دور فعلي حسب معتقدات الفراعنه هو حمله سلاحه «الحربه» والسير خلف الفرعون ليحميه، اي انه حارس شخصي.

وفي العام 1994 انتشرت في ايران صورة لانسان برأس كلب مشفوعة بقصة من نسج الخيال روجت لها السلطات الامنية في ذلك الوقت بشكل كبير، وتقول القصة ان انسان مسخ نصفه السفلي ادمي ونصفه العلوي على هيئة كلب يجول في المدن والقرى ليلا يخطف الاطفال ليأكلهم ويشرب دمهم، واخذ الناس يتناقلون الخبر ويعيدون طباعة الصورة في محلات التصوير لتدعيم اقوالهم والتأكيد على مصداقية القصة التي ارعبت الناس.!

في ذلك الوقت لم تكن برامج المونتاج والفوتوشوب منتشرة كما هو الحال الان، كما ان الانترنت كان استخدامه محدود جدا، لذلك من الصعب جدا اضافة رتوش تقنية الى الصورة المتداولة، كما ان السواد الاعظم من الشعوب الايرانية لم تكن متعلمة ومطلعة بسبب الانغلاق الحاصل داخل البلاد، لذلك لم يكن يتصور الغالبية ان الصورة اصلها يعود الى عملية ماكياج سينمائية محترفة، اذ يصعب على الانسان البسيط تكذيب الصورة التي بين يديه، لذلك عمدت السلطات الامنية الى دفع بعض الصحف الحكومية الى نشر الصورة مع القصة المتداولة لضمان انتشارها على نطاق اوسع واشمل.

الحكومة الايرانية في ذلك الوقت كانت تراهن على قلة وعي الشعب، وعدم وجود مصادر بحثية دقيقة تكشف حقيقة الصورة والقصة المتداولة، وكان لها هدف من وراء اختلاق هذه القصة وهي ابقاء الاسر في بيوتهم مع مغيب الشمس للحفاظ على حياتهم وحياة ابنائهم من الوحش المسخ، وينشغلوا في هذه القصة لاطول فترة ممكنه لضمان عدم تفكيرهم في المشاكل التي يعيشونها، مثل غلاء المعيشة وسوء ادارة الدولة وانعدام الامن واختلال ميزان العدالة والوضع المزري داخل الدولة، وهو ما تمكنوا من تحقيقه عبر اختلاقهم قصة من نسج خيال مؤلفها الذي يبدو لي انه كان مطلعا وبشكل كبير على تاريخ الفراعنه واقتبس فكرة شخصية الإله «أنوبيس» وقام بوضع بعض الرتوش عليها وحورها بطريقته ليضمن نجاحها.

اليوم ورغم الانفتاح الكبير الحاصل في العالم الذي سهل نقل المعلومة وتداولها وسرعة انتشارها لكن مازال بيننا من يعيش وهو يغمي عينيه عن الحقيقه، ويصدق كل ما ينقل له من مصدر محدد يثق به ولا يريد ان يكلف على نفسه حتى تبيان حقيقة ما قيل او نقل له، لانه فضل ان يجمد عقله ويكون تابعا معتقدا ان التغذية من مصدر واحد ستكون كفيلة بتزويده بكافة احتياجاته.!

الفكر الذي تدير به الانظمة القمعية شعوبها هو ذات الفكر الذي تدار به حياتنا اليومية، حيث يسلم البعض مهام ادارة حياته الى من لا يؤتمن على ادارة «كشك» يبيع المرطبات.!