الخميس، 26 يناير 2023

ديمقراطية عرجاء

 

القارئ السياسي يستطيع ان يقيم التجربة الديمقراطية في الوطن العربي من المحيط الى الخليج والمتمثلة في البرلمانات النيابية والبلدية، فمع اختلاف الحالة من دولة إلى اخرى بالشكل إلا انها تبقى متشابهة من حيث المضمون، اذ لا توجد ديمقراطية حقيقية في اي دولة عربية على اختلاف الانظمة الحاكمة، ملكية، إمارة، او جمهورية، فما يريده الحاكم سيتم اقراره وما يخالف توجهه لن يتم مهما حدث، وبين الموافقة والرفض هناك فاصل بسيط لإقرار قوانين ظاهرها تمكين إرادة الأمة وباطنها تنفيذ سيناريو ذو أهداف سياسية واعلامية محلية ودولية برغبة الحاكم لا البرلمان.

ان المطلع على تاريخ التجربة النيابية في الدول العربية يستخلص فكرة عامة وشاملة، وهي ان إرادة الحاكم اسمى واعظم من ارادة الأمة، و لا رأي يعلوا على رأي الحاكم، ومن يخالفه من النواب سيكون مصيره في افضل الاحوال الفصل او العزل، وفي احيان اخرى قد يسجن او يهجر و يحظر عليه ممارسة العمل السياسي، اما في اكثر الحالات سوءا قد يتم اغتياله، وهناك احداث وشواهد كثيرة قد آتي على ذكرها في مقال مفصل لاحقا.

وهناك قصة جميلة من تاريخ الكويت السياسي، وهي عندما اراد امير الكويت الراحل عبدالله السالم طيب الله ثراه إقرار قانون منع الاتجار بالخمور، وهو القانون الذي كان من الممكن ان يسبب له حرجا سياسياً مع الحكومة البريطانية، لذلك ارتأى وضع خطة سياسية محكمة يضرب بها عصفورين بحجر واحد، إذ تم الاتفاق على سيناريو أعد سلفا لرفع الحرج عن الحكومة الكويتية امام مثيلتها في انجلترا باتخاذها قرار يؤثر على مصالحها ويضر بنشاط احدى شركاتها «كري ماكنزي» وبذات الوقت يقنع الرأي العام الدولي ان البرلمان الكويتي بدأ يمارس دوره وصلاحياته وفق الاطر الدستورية، حيث اقر مجلس الامة مشروع بقانون يحظر الاتجار بالخمور وتم رفعه إلى الشيخ عبدالله السالم الذي رده الى المجلس ورفض اعتماده بموجب المادة 66 من الدستور الكويتي التي تنص على «يكون طلب إعادة النظر في مشروع القانون بمرسوم مسبب، فإذا أقره مجلس الأمة ثانية بموافقة ثلثي الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس صدق عليه الأمير وأصدره خلال ثلاثين يوماً من إبلاغه . فإن لم تتحقق هذه الأغلبية أمتنع النظر في دور الانعقاد نفسه .فإذا عاد مجلس الأمة في دور انعقاد آخر إلى إقرار ذلك المشروع بأغلبية الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس صدق عليه الأمير وأصدره خلال ثلاثين يوماً من إبلاغه إليه»، وهي المرة الوحيدة التي خالف فيها المجلس الإرادة الاميرية واقر القانون 46/1964، وتم نشر القانون في الجريدة الرسمية ممهورا بامضاء نائب الامير الشيخ صباح السالم رحمه الله بسبب تواجد الامير الشيخ عبدالله السالم خارج البلاد حينها.

0 التعليقات:

إرسال تعليق