الخميس، 7 يوليو 2022

إبليس ولا إدريس

 

المطلع على التاريخ الليبي الحديث يعلم جيدًا ان شعبها عانى عشرات السنوات تحت وطأة الاستعمار وقسوة الحاكم المستبد، وفساد بطانة العهد الملكي وتأثيرهم على امن واستقرار الدولة الى ان انقض مجموعة من ضباط الجيش على الحكم وتحديدا قبل يوم واحد من تقديم الملك الزاهد محمد ادريس السنوسي استقالته ورفعها الى مجلس الأمة آنذاك

المشهد الليبي في ذلك الوقت كان ضبابيًا والرؤية تكاد تكون منعدمة، اذ حصلت ليبيا على استقلالها من إيطاليا وتم تسليم الحكم الى الاسرة السنوسية التي تعتبر من ابرز واهم الحركات الدينية الصوفية في ليبيا والسودان وتشاد ويحظون باحترام وتقدير كبير من قبل العموم، لما لهم من سلطة دينية وسطوة سياسية وحضور بارز يوازي حضورهم الديني، اذ نجحوا في تأسيس 330 زاوية لهم يمارسون فيها طقوسهم ويعلمون فيها الاطفال والشباب اصول الدين والفقه وحلقات تحفيظ القرآن واللغة العربية وقواعدها وعلوم الفلك والرياضيات وهو ما جعل لهم مكانة خاصة في المجتمع

ولا يمكن بأي حال من الاحوال انكار دور وفضل الاسرة السنوسية في انتزاع الاستقلال جنبا الى جنب مع زعيم الثوار عمر المختار، اذ كان الاخير يقود الحراك المسلح في مواجهة المستعمر، بينما تولى محمد ادريس السنوسي المفاوضات السياسية وتوقيع الاتفاقيات وبناء العلاقات الخارجية وتوطيدها، ومن قبله عمل والده محمد المهدي السنوسي على قيادة الثوار عسكريا، ثم اسند الامر الى احمد الشريف السنوسي الذي قاد حراكا مسلحا ضد المستعمر، وهذا العمل المشترك نتج عنه استقلال ليبيا

بعد تولي الملك محمد ادريس السنوسي مقاليد الحكم تمكنت حاشيته من السيطرة عليه وغيبوه تماما عن فسادهم واعني بذلك مستشاره إبراهيم الشلحي الذي ازكم الانوف بفساده واشعل غضب الليبين امتعاضا من صمت الملك السنوسي على تجاوزات الشلحي واسرته.! 

كان الملك محمد السنوسي زاهدًا في ملكه اذ سبق له وان قدم استقالته متعذرا بكبر سنه ورغبة منه في تحويل ليبيا من مملكة بحكم متوارث الى جمهورية بحكم متداول وينتخب الرئيس من قبل الشعب، إلا ان رغبته لم تتحقق بسبب اعتراض مستشاره ورئيس وزرائه مصطفى بن حليم في المرة الاولى، ورفض حسين مازق رئيس الوزراء في المرة الثانية، مما نتج عنها اجهاض الفكرة في مهدها، اذ كان السنوسي عازما على انهاء الحكم الملكي الذي لم يكن مقتنعا بجدواه ومؤيدا للتحول الى النظام الجمهوري وترك الشعب يختار رئيسه بانتخابات حرة ونزيهة

استفحال الفساد في العهد الملكي دفع الشعب للخروج بمظاهرات حاشدة رددت شعارات عدة ابرزها «ابليس ولا ادريس» والتي التزم الصمت حيالها رافضا فكرة التصادم مع الشعب، وقرر حينها السفر الى اليونان بذريعة العلاج اذ بيّت النيه لإعلان استقالته من منفاه الاختياري والانزواء مع اسرته الصغيرة التي تضم زوجته فاطمة وابنته المتبناة سليمى في المهجر، لكن حركة ضباط الجيش سبقته بخطوة واقدم عدد من صغار الضباط على قيادة انقلاب عسكري انتهى بتنصيب معمر القذافي حاكما على ليبيا مسدلاً الستار على الحقبة الملكية

الانظمة الحاكمة في كثير من دول العالم الثالث لم يقرؤوا التاريخ، ولم يتعضوا من اخطاء الاخرين، بل ساروا على ذات النهج واستعانوا بمستشارين منافقين ومتسلقين وكذابين، زيفوا الواقع وأوهموهم ان مؤامرات تحاك ضدهم، وان هناك من يتحين الفرص لاسقاط أنظمتهم، وبنوا جدار عازل بين الحاكم والمحكوم، وبذروا بذور الفتنة والكراهية ووظفوا نافخي الكير لحرق البلاد والإضرار بمصالح العباد.!


0 التعليقات:

إرسال تعليق