الأحد، 30 أبريل 2023

التاريخ يكتبه .. المنافقون

 



دعيت قبل ايام للمشاركة في محاضرة ثقافية تحت عنوان «التوظيف الايديولوجي للتاريخ» نظمها نادي «حبر ابيض» في احدى المكتبات العامة غرب لندن مع والكاتب والباحث عارف نصر وبإدارة د. جمال نصاري، وكانت هناك عدة محاور رئيسة نوقشت باسلوب تحليلي ونقدي.

تحدثت بداية عن افتقار المكتبة العربية لوجود كتب سردية تروي الاحداث التاريخية، حيث ترفض الانظمة العربية تدوين التاريخ بالاسلوب السردي المعمول به في معظم الدول الغربية، لان ذلك يعني تأريخ الواقع بشكل وصفي دقيق، وهذا الامر يعني ذكر حقائق ووقائع من شأنها احراج الانظمة الحاكمة، ثم ضربت مقال واقعي لكتاب ممنوع من التداول في معظم الدول العربية وهو «تاريخ الكويت السياسي» لكاتبه حسين خلف خزعل، ويتكون 5 اجزاء واحتوى على معلومات وروايات تاريخية والوثائق والمراسلات ما بين جده «خزعل مرداو» وحكام الدول العربية والانظمة الاجنبية، كما كان يفترض ان تصدر 5 اجزاء اخرى متممة لهذا العمل إلا انها لم ترى النور بعد ان كان من المفترض ان يتولى نجله «حنظل» مهمة الطباعة والنشر لكنه صرف النظر عن ما بدأه والده ليموت هذا المشروع بوفاة صاحبه.

اما سلبيات مدوني التاريخ العربي فهي تكمن باسناد المهمة لمن هم ليسوا اهلا لها، وبمعنى ادق واوضح يكتب التاريخ «المنافقين» بقصد ارضاء «المنتصرين»، ومثال على ذلك مجلة العمران التي اصدرها الكاتب السوري عبدالمسيح الانطاكي من مصر وهو الذي عرف عنه النفاق بقصد كسب ود الشيوخ والامراء والملوك، مدعما روايتي بنسخ ضوئية عن بعض من اغلفة المجلة التي تزكم الانوف من شدة نفاق محررها، وهي اليوم مصنفه باعتبارها وثيقة تاريخية.!

وفي جزئية توثيق التاريخ من خلال العروض المسرحية والافلام السينمائية والاعمال الدرامية العربية، ابديت ملاحظاتي على انها لا تعكس الحقيقة التاريخية، لان النصوص تتعرض للتعديل والتغيير لتتناسب مع الحبكة الدرامية، وهذا ما يؤكده السوال الاعظم من المؤلفين والنقاد الفنيين المتخصصين، كما انها تنتج لتعرض في قنوات حكومية وخاصة عربية ويكون هناك معايير وشروط يلتزم بها المنتجين ابتداء من اجازة النص وانتهاء بالرقابة التي تسبق العرض، ومن يرفض الالتزام بالشروط والقيود لا يجاز نصه ويمنع من تصويره ومن يخالف يحاكم، لذلك يصبح المؤلف والمخرج والمنتج ملزمين بتقديم عمل يتماشى مع اهواء الانظمة الحاكمة.!

ليس هذا فقط، لل هناك اعمال فنية حجبت من العرض خلال فترة عرضها او قبل ذلك، ومثال على ذلك مسلسل «أسد الجزيرة» و مسلسل «اخوة التراب»، بل وهناك مسلسلات تزيف الواقع بتقديم صورة مغايرة للحقيقة ومنها مسلسل «الاختياروالذي جاء مجملا لصورة النظام العسكري في مصر ومصورا شخصية «عبدالفتاح السيسي» باعتباره القائد الفذ الذي انقذ البلاد والشعب من مخطط «الاخوان»، وهناك امثلة مشابهة اخرى يتم من خلالها تزييف التاريخ ارضاءً للنظام.

من كان يفترض به ان يكتب التاريخ هم المنصفين من الباحثين والمحققين الذين يكتبون دون الميل لمصلحة طرف على حساب طرف اخر، ولا يلغون من التاريخ حدث محدد غير مرغوب فيه، لان في ذلك تجاوزا على الحقائق وتدليس لا فائدة منه.


أحمد السلامي

0 التعليقات:

إرسال تعليق